اللغة والهوية ودور المجامع اللغوية
بقلم: د. جريس نعيم خوري- جامعة تل أبيب والكلية العربية للتربية في حيفا
المركز العلميّ لمجمع اللغة العربية
في أصل اللغة ومعناها
يؤكّد فرديناند دي سوسير في نظريته الهامة في مجال اللغة أنّ اللغة إشارات صوتية، تنطلق لتترجم بعض الدلالات والصور المتشكلة في ذهن الناطق. أمّا الرابط بين الإشارة والدلالة فهو اعتباطيّ، غير منسوب إلى منطق، بل معتمد اعتمادا كليا على الاتفاق الجمعيّ. بمعنى أنّ صدور الإشارة لتعبر عن المدلول إنّما حظي بالرضا الشعبيّ قبل أن تحوّل إلى رمز عامّ، متفق عليه، يترجم إلى الدلالة المنْويّة، والكامنة في الذهن، حتى في حال عدم حضورها حسّيًّا (راجع نظريته في: Saussure 2000). نظريته هذه أحدثت انقلابا جذريا في مفهوم اللغة، الرمز، الكنايات والإشارات عامة، مما ألقى بظلاله على الكثير من مجالات الحياة، بما فيها الأدب، وأدى إلى نشوء مذاهب واتجاهات فكرية وأدبية عديدة (الرويلي والبازعي 2000: 38، 172-173؛ عناني 1996، المعجم: 104، 107؛ Allen 2000: 10).
اللغة مكوِّنٌ جماعيّ
ركّزت المدارس الأدبية في تطوير نظرياتها على موضوع الإشارة، وعلاقة الدالّ بالمدلول، مستغلة موضوع اعتباطية الرابط بين الطرفين، والحرية التي تعطيها هذه الاعتباطية، من أجل إطلاق سراح الدالّ، وتحريره من ارتباطاته الآنية عن طريق ربطه بمكونات الثقافة عامّة، ودراسته تاريخيا، ممّا يفتحه على قراءات وترجمات متشعبة. أمّا موضوع "الاتّفاق الجمعيّ" فلم يحظ بنفس العناية من المنظرين اللغويين والأدبيين، ربّما أنّهم وجدوا أنّ دراسة هذه الزاوية إنّما تنزلق بهم نحو تشابكات علوم الاجتماع، والإنسان، وعلم الأعراق وغيرها، ممّا هو خارج عن اختصاصاتهم.
في هذه المقالة أنطلق من رؤية سوسير الكاشفة تلك، مركزا بالذات على موضوع الاتفاق الجمعيّ في التأكيد على متانة الارتباط بين الإشارات التي تصدر عن جماعة ما مكتسية زيها الرسميّ، وبين عقلية هذه الجماعة، نمط تفكيرها، ميولها، مواقفها، تراثها العامّ، تاريخها، وهي كلّها مكوّنات الهويّة الإنسانية. فاللسانيون اليوم لا يشككون في كون اللغة والهوية تسميتين لمسمى واحد (راجع: Tbouret-Keller 1997: 315)، بمعنى "قل لي ما لغتك، أقل لك ما هويتك". وهم ينطلقون في حكمهم هذا من حقيقة كون اللغة المنطوقة كماليّة من كماليّات الحياة البدائية عند البشر، هؤلاء الذين بدأوا التواصل أولا بالإشارة الجسدية والأصوات البدائية، قبل نشوء اللغة القولية المتطورة، المنسوجة وفق قوانين وقوالب معقدة. ففنّ اللغة القولية إذن هو فنّ متأخر نسبيا، متطور عن حركات وإشارات جسدية، يبدو أن الإنسان بدأ يترجمها صوتا في وقت متأخر. وحيث إنّ هذه الحركات هي بدورها ترجمة لدلالة متشكلة في ذهن الفرد، صارت هذه اللغة القولية ترجمة لترجمة أخرى، وبالتالي فهي بعيدة عن الدلالة بمقدار خطوتين على الأقلّ. وإذا شبّهنا صدور اللغة بالولادة، فإنّ هذا المولود قبل أن يخرج إلى النور، تشكّل على هيئة جنين في ذهن القائل، وبعد نضوجه هناك تجسّد وأصبح مرئيا من قبل الجميع بعد أن كان ملكا لفرد.
هذا التصور إنما يقودنا إلى حقيقتين لا مراء فيهما: 1- أنّ هذا الجنين إنّما هو مركب عقلي، ذهنيّ، قبل أن يكون متجسدا. أي أنّ اللغة الصوتية هي حالة متأخرة وأكثر نضجا لمرحلة التكوّن الأولى التي هي محض ذهنية. بكلمات أكثر وضوحا، في البدء كانت هناك الفكرة أو الدلالة، والدلالة صارت جسدا وحلّت بيننا. ومن هنا ننطلق نحو الحقيقة الثانية: 2- عندما تنطلق الدلالة متخذة ثوب اللغة، تعلن عن نفسها متاعا شعبيا، يصبو أن يكون مقبولا، مفهوما وقادرا على تفعيل الآخر، مهما كان نوع هذا التفعيل. والحقيقتان إنّما تخدمان فكرة واحدة وإن كان من زاويتين مختلفتين، ألا وهي أنّ اللغة مكوّن حضاريّ مرتبط بشكل وثيق بعقلية أصحاب هذه الحضارة، منعكس عنها، عاكس لها، مترجم لميولها على نحو غاية في الدقّة، لذلك فهو مفهوم فيها، مرضيّ لديها، وكلّما ارتفعت ثقافة هذه العقلية، ارتقت معها اللغة، والعكس صحيح.
محوتَ لغةً، أبدتَ شعبًا
إذن، لا نبالغ إذ نقول إنّ دراسة اللغة، مفردات وتراكيب، والوقوف على تاريخ تطور هذه اللغة، إنّما يساهمان بالكشف عن طبيعة المجتمع، وتطوره العقليّ والحضاريّ على امتداد تاريخه، وهي حقول بدأ علماء اللغة والنفس والاجتماع بالاهتمام بها على نحو واسع، ولعلّ حقل اللغويات الاجتماعية (sociolinguistics) واحد من أهمّ حقول الدراسات اللغوية في عصرنا هذا وأخصبها. غير أنّ هذه النتيجة تقودنا حتمًا إلى موضوع آخر هو في غاية الأهمية والخطورة أيضا، على المستوى القومي والسياسيّ بل والإنساني العامّ، هو موضوع فقدان اللغة- الهوية.
الإنسان مخلوق اجتماعيّ من الدرجة الأولى، وهو، إذ ذاك، محتاج إلى لغة يخاطب فيها من حوله، لذلك فإنّنا من خلال مصطلح فقدان الهوية لا نعني بقاء الإنسان بلا نطق، وفراغه من أية وسيلة اتصال لفظية، إنّما نعني أن يستبدل الإنسان وسيلته اللفظية الخاصة بوسيلة أخرى من غير عقليته. أي أن "يتبنى" الإنسان مولودا لغويا غريبا عن فطرته وعقليته، حيث وجب أن تتشكل الجينات الأولى للغة، إن صحّ التشبيه. وهو أمر لا بدّ حاصل إذا توفر عامل قويّ من العوامل التالية، أو توفر بعضها، أو جميعها معا:
1- التصور الذاتيّ المنخفض؛ ونعني به تشكل المناخ الثقافيّ العامّ من خارج البيئة العقلية الذاتية، الذي يفرض نفسه كمناخ سائد، ممّا يفقد الإنسان "الخاصّ" ثقته بهويته، نفسه، تاريخه ولغته. فشعور العربيّ، على سبيل التمثيل لا الحصر، بأنّه متخلف حضاريا عن سائر الحضارات الأخرى المحيطة به، سيجعله بشكل تلقائي نافرا عن مصطلحه، متبنيا لمصطلحات "الحداثة والتقدّم"، مكثرا من استخدام التعابير الخارجة عن ذهنيته، في صالح الخروج من حفرة التخلف التي أسقط نفسه فيها أو أسقطته الظروف، متشبّثا من خلالها بحبال "التمدّن والترقّي". والأخطر من تبني المصطلح الأجنبيّ تبني الفكر نفسه! بمعنى أن تتشكل الذهنية المكوّنة للجنين اللغوي في بداية نشوئه، من مكونات خارجة عن طبيعتها، فتصبح انطلاقات التفكير العربية مثلا انطلاقات خارجة عن بيئتها، تتشكل عنها عبارات وتراكيب هي الأخرى غريبة عن التركيب الشعبيّ العرقيّ المألوف.
2- الغزو الفكريّ والعولمة؛ ونعني به الانبهار بكل ما هو وافد، وتبنيه مباشرة، دون فحص ملاءمته للعقلية المتلقّية. ومن الواضح أنّ هذا العامل كثيرا ما يتحد مع سابقه، فيؤدي هذا الغزو إلى "استئصال" مكونات الشخصية الأصيلة، واستبدالها بمكونات "غير طبيعية"، لتحلّ محلّ القلب والكبد في جسد الحضارة ككلّ. وليس أدلّ على هذا الغزو من تهافت المنظرين الأدبيين والنقاد على مصطلحات الحداثة وما بعدها، وما قبلهما وما بينهما من نظريات أدبية، لو أنعمنا النظر قليلا لوجدنا الكثير من بذورها متناثرة في كتب العسكري (ت. 1005 م.) والتوحيدي (ت. 1023 م.) وابن حزم (ت. 1064 م.) وغيرهم. غير أنّ الغزو الفكري اليوم يتخذ اتجاها أكثر خطورة حين تفرض الإنجليزية، على الخصوص، نفسها كلغة سائدة على مستوى عالميّ، بارزة عبر أكبر شبكات الاتصال هيمنة على كافة المرافق الإنسانية "الإنترنت" (راجع: http://www.answerbag.com/q_view/53199). ففي طيات العولمة تتلاشى الحدود، ويصبح الكون قرية صغيرة، وتتلاشى الألوان، أو تتحد في لون واحد، وتذوب الفروق القومية والشخصية، نحو انصهار كليّ، لتتكون شخصية إنسانية واحدة، تغلب عليها ملامح الدول المتقدمة تكنولوجيا وعلميا، وتختفي فيها أو تكاد ملامح الدول الفقيرة ودول العالم الثالث. (عن العولمة اقرأ في:2004 Bhagwati؛ Olssen et al., 2004, p. 5).
3- التخلف الحضاري؛ يقول العلّامة العربيّ الكبير ابن خلدون (ت. 1406 م): "إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورةٌ لمنزلة دولتها بين الأمم" (ابن خلدون 1981: 764). اللغة تحيا وتنتعش بانتعاش الذهنية التي تصدر عنها، وذهنية لا تتطور لا يمكن أن تتوقف مكانها، بل هي تتراجع، ذلك أنّ حظ أي ذهنية من التطور هو نسبي، أي يقاس بالنسبة إلى بقية الذهنيات. التخلف يعني عدم القدرة على الحركة، الركود، وبالتالي ضيق الأفق، وانحسار الابتكار والاختراع. لغة لا يبدع بنوها، ولا يخترعون، لغة تتقادم، وعن قليل سوف تسقط فاقدة شرعيتها ومنطقيتها. لا يمكن أن نتحدث اليوم عن التكنولوجيا والحاسوب بمصطلحات ما قبل مئة سنة مثلا! هذا لا شكّ فيه، ولكن المسألة الأكثر خطورة هنا: هل يمكن من خلال لغتنا العربية الحديثة اليوم أن نناقش القضايا العلمية والتكنولولجية، وأن نخوض في مصطلحات الطب والفيزياء والرياضيات والحاسوب وغيرها؟ إنّ تصوّر الضيق الذي يقع فيه محاضر عربيّ لأحد هذه العلوم، وهو يتعنت المصطلحات تعنتا لتأتي عربية صرفة دون لبس، تصوّر هذا الضيق كفيل ببيان نسبة التخلف الحضاري التي وصلنا إليها اليوم، وبحجم هذا التخلف، حجم المعاناة التي تعانيها العربية، والمأزق الذي تحياه في عالم طار إلى الفضاء.
هذا التخلف الحضاري مردّه إلى تخلف فكري ناجم عن ضيق أفق، وضيق الأفق وليد أمية فاشية ما زالت أحجامها هائلة، وتثقف جزئي زائف في كثير من الأحيان لدى النزر اليسير المتبقي من اللاأميين! وكلّما انحسرت مصادر الدخل على الفكر العربيّ، انحسرت اللغة، وما حاجة الذهنية التي توقفت مصادرها عند منابع الدين مثلا إلى التمدّن والمصطلح الحديث، طالما أنّ المصطلح القديم يفي بالغرض، وأنّ ألوهية لغة الدين تعني سكونيتها وعدم قابليتها للتحرك بل عدم حاجتها إليه أصلا؟ بل إنّ أي خروج عن هذه اللغة سيكون أشبه بردّة دينية عواقبها وخيمة! (قارن: جبران 2009: 70-71).
اللغة العربية، كما قال نزار قباني، بحاجة إلى تهوئة، وهذه التهوئة إنّما تتحصل تلقائيا إذا توفر الفكر المتحرر، الذهنية المتقبلة للآخر، المتفحصة للوافد، الناقدة، والقادرة على استيعاب أي طارئ إذا كان فيه طاقة للتغيير، التليين وتوسيع دائرة التعبير. ووسط ذلك تبرز قيمة المطالعة وأهميتها في توسيع مدارك الأفراد، رفع مستواهم الحضاري، وتهيئة المناخ للعالم والمفكر العربي الأصيل ليبتكر، ينتج ويولّد المصطلح العربيّ، كما فعل علماء العرب منذ العصر العباسيّ، وما زال مصطلح "ألغوريتم" شاهدًا على إنجاز العالم العربي الخوارزمي (ت. 850 م.) حاملة اسمه.
4- الغزو السياسيّ؛ أفضل أنواع الحروب التي قد تخوضها دولة غازية ضدّ دولة مغزوّة، وأكثرها نجاعة، هي الحرب اللغوية، وأعني بها "تفريغ" اللغة المغزوّة "وتسريب" اللغة الغازية بشكل تدريجي، وأحيانا بشكل عنيف. وهي ظاهرة لها الكثير من مشاهدها عبر التاريخ البشريّ إلى يومنا هذا، ومن نتائجها الخطيرة زرع الفكر اللغويّ الغريب في الذهنية المغزوّة، والفكر، كما سلف، هو المولّد الأساسيّ للغة، وبالتالي فالفكر المتبنى سيولّد لغة متبناة هي الأخرى، بعيدة عن البنوّة الحقيقية، هي أشبه بنطق اللغة الغازية بحروف اللغة المغزوة ورموزها إلى حين استبدال هذه الرموز أيضا! حاول الأتراك على امتداد خمسة قرون "اغتيال" اللغة العربية عن طريق تتريكها، وهُم، وإن لم يفلحوا بمهمتهم هذه، فقد تركت محاولتهم الكثير من الخدوش والتشوهات الممتدة من الذهن والفكر العربيين إلى الحضارة ومخلفاتها، واللغة وتراكيبها. كما ترك الانتداب البريطاني والفرنسي وغيرهما الأثر البارز على اللغة العربية في الديار التي غزتها هذه الحضارات، حتى صرنا نشهد الصعوبة التي يخوضها متكلّم لبنانيّ أو مغربيّ يحاول عبثا أن يهرب من الانزلاق نحو التفكير الذهني اللغويّ الغربيّ.
الأمر ذاته تعانيه العربية اليوم في إسرائيل، حيث تفرض العبرية نفسَها لغة رسمية شبه وحيدة في الدوائر الرسمية والمرافق العامة، ودخول العبرية في لهجاتنا ظاهرة تشكل تحديا هو الأكبر للناطقين بالعربية من فلسطينيي البلاد. ولعلّ أفضل سبل الترانسفير، وأقلها إثارة للرأي العامّ، وأقلّها تكلفة حتى، هي الترانسفير الثقافي والمتمثّل بإسقاط العربية وإحلال العبرية مكانها في ذهنية الفرد العربيّ داخل إسرائيل. من المؤسف أن نجد العبرية أكثر طواعية وسلاسة في انسيابها على لسان العربي من اللغة الفصحى، بل من لغته المحكيّة أحيانا. وهي تمتزج بالمحكية وتنسجم معها انسجاما غريبا، فنجد الجملة المنطلقة عن لسان العربيّ ذات تركيب عبريّ، أو نجد مفرداتها تتشكل من عربيّ وعبريّ، في تجانس وانصهار قلّما رأيناه بين لغتين. قد يكون مردّ ذلك إلى انتماء العربية والعبرية منذ البداية إلى أصل ساميّ لغوي واحد، وتطور كلا العبرية والمحكية العربية بشكل طبيعيّ، وبالتالي ملاءمتهما المشتركة لروح العصر. فقد أسقطت كلا العبرية والعامية علامات الإعراب مثلا، واستعاضت عنها بتوظيف الكلمات المساعدة، وحروف الجرّ، وترتيب الكلام بشكل مغاير. الكلام الفصيح يترتب في معظم الأحيان كفعل فاعل ومفعول به، في حين أنّ الترتيب الأكثر شيوعا للكلام العبري والعربيّ المحكيّ هو فاعل (مبتدأ) فعل ومفعول. هذه المرونة في اللغتين، بالإضافة إلى التقارب والحرية في التقديم والتأخير، والتلاعب بمواقع اللفظ، وقبول كلّ وافد بحرية مطلقة، كلّ ذلك سهّل إمكانية تلقّف المحكية العربية للفظ العبريّ، وصهره ليتحول إلى بديل للكلام العربيّ، أو إلى مالئ للفراغ المصطلحيّ الحديث منه خاصة، الذي يحيا عربيته في أزمة صارخة. وما يزيد الطين بلّة في هذا المجال قلّة اطلاع الفلسطيني في البلاد خاصة على مستجدات العالم العربيّ من اصطلاح، وعدم توفر المعاهد المختصة التي تواكب التطور الاصطلاحي المحليّ عن كثب، فتقدّم البدائل وتروّج لها قبل شيوع العبريّ الوافد. من ناحية ثانية فإنّ قلة مطالعة العربيّ لتراثه، وبطء المجامع العربية في تصريح المصطلحات، وقلة درايتها ونشاطها في الترويج لها، يجعل العربيّ مضطرا إلى استخدام اللفظ الدخيل وشعبنته سنوات قبل صدور البديل العربيّ، مما يفقد هذا البديل هيبته وهيمنته.
غير أنّ مشكلة المشاكل لا تتمثل باستيعاب المفردة الوافدة، فهي ظاهرة متوفرة في كل اللغات وإن كانت بنسب متفاوتة، وإنّما بتبني التراكيب اللغوية الدخيلة. فالتركيب هو عملية ذهنية، كما أسلفنا، وترك التفكير الذهني العربيّ، والتفكير وفق القوالب الدخيلة، والصبّ وفق مقاييسها، هو إعلان صريح عن إفلاس الذهنية العربية، ونذير بالذوبان التدريجيّ للهوية.
مجمع اللغة العربية في إسرائيل ودَوره
من هنا تبرز الحاجة الملحة للمجامع العربية، والعمل الميداني المكثف من أجل دراسة الظواهر اللغوية المتطورة دراسة علمية جادة، وصف هذه الظواهر، بيان العوامل الكامنة خلفها، تقديم الاقتراحات والحلول وتوقع التطورات المستقبلية من أجل التجهيز لها. وهذا ما يدأب مجمع اللغة العربية في إسرائيل على القيام به، فهو يجمع خيرة الباحثين الفلسطينيين المحليين في مجالات اللغة والأدب المختلفة، الذين يتباحثون في قضايا لغوية عربية عامة، وأخرى محلية، ويقدمون اقتراحاتهم، دعما لمشاريع وأبحاث مقترحة من ناحية، وتشجيعا للبرامج التثقيفية، وتذويتا للمصطلحات العربية من خلال إصدار نشرات خاصة، ومواكبة ما يحدث في الساحة المحلية والعربية. حيث يتشكل المجمع من طاقم من العاملين المثقفين، ومجموعة من الباحثين الأكاديميين الذين تتشكل منهم اللجان، وفي رأسها لجنة الأبحاث والنشر، المسئولة عن قراءة الأبحاث المختلفة المرشحة للدعم من قبل المجمع، تدقيقها وبلورتها بشكل علميّ سليم، وتصريح نشرها مدعومة بشكل كامل من قبل المجمع، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات الخاصّة. ولجنة المصطلحات، وهي مسئولة عن إصدار مصطلحات عربية بديلة للمصطلح العبري أو الأجنبي الوافد، والترويج لهذا المصطلح وشعبنته، بالإضافة إلى نشر المصطلحات العربية التي أقرتها مجامع اللغة العربية في مجالات العلوم المختلفة. ولجنة التسميات، المسئولة عن متابعة الأسماء التي تطلق على الأماكن والمواقع والشوارع وما إلى ذلك، ومحاولة تثبيتها عربيا. كما عقدت لجنة حديثة للاهتمام بموضوع تأليف قاموس عربيّ عربيّ بأسلوب حديث، يسهّل على المستخدم عملية البحث عن دلالات اللفظ العربيّ، دون حاجة للعودة إلى الجذر. وقد أصدر المجمع مجموعة من الكتب الهامة في مجال اللغة والأدب العربيين، ويقوم حاليا بالإعداد لإصدار مجموعة أخرى، بالإضافة إلى دعمه لمشاريع أبحاث عديدة في مجال اللغة العربية.
المراجع
ابن خلدون، عبد الرحمن. مقدّمة ابن خلدون. بيروت: مطبعة دار الفكر، 1981.
جبران، سليمان. على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة. كفرقرع: دار الهدى، 2009.
الرويلي، ميجان وسعد البازعي. دليل الناقد الأدبي (إضاءة لأكثر من خمسين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا). الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2000.
عناني، محمد. المصطلحات الأدبية الحديثة- دراسة ومعجم إنجليزيّ- عربيّ. القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان، 1996.
Allen 2000= Graham Allen. Intertextuality. London: New Fetter Lane, 2000.
Bhagwati, J. In Defense of Globalization. Oxford: Oxford University Press, 2004.
Khoury, Jeries N. “Polysystems: A Theoretical Inquiry into Some General Concepts” Journal of Arabic Literature 37.1 (2006) pp. 109-144.
Olssen, M., O’Neill, A. M., & Codd, J. A. Education Policy: Globalization, Citizenship and Democracy. Thousand Oaks, CA: Sage, 2004.
Saussure, F. Course in General Linguistics. Chicago and La Salle, Illinois: Open Court, 2000.
Tbouret-Keller, A. “Language and identity”. in: the handbook of sociolinguistics. Oxford UK: Blackwell Publishers, 1997
http://www.answerbag.com/q_view/53199