كلمة البرفيسور محمود غنايم، رئيس مجمع اللغة العربية
في الذكرى السنوية الثانية لتأسيس المجمع
في منطقة الخطر
أبدأ بمقولة لجاك مونرو: "أعتقد بأنه كلما اتسع مجال العلم بسرعة مطردة تصبح المجابهات بين الحقول المعرفية أمرًا ضروريًا أكثر من أيّما وقت مضى (رومان ياكبسون، الاتجاهات الأساسية في علم اللغة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002، ص 9).
وهكذا اللغة، أيها الأخوة والأخوات، تحمل همًا اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا وتنطوي على دلالات لا حصر لها في تاريخ الشعوب والثقافات. إنها ليست وسيلة للاتصال فحسب، كما يتبادر إلى أذهان بعضنا، بل تخطّت وتتخطّى ذلك دائمًا لتأخذ دورها على المستوى عبر المعرفي وعبر المجالي.
مجمع اللغة العربية في إسرائيل قدّم وما زال يقدّم نفسه للجمهور لا عبر الكلام، بل من خلال أعماله على مدى عامين، وهي فترة ليست بالطويلة في تاريخ الثقافات والمؤسسات. إننا نعمل في مِنطقة عبر مجالية لتنمية النظرة الإيجابية نحو الذات أولاً، وذلك بتعزيز الثقة بالنفس على المستوى الجمعي، وخاصة لذلك الجمهور من الأجيال الصاعدة التي هي بأمسّ الحاجة لإعادة الثقة إليها في لغتها وثقافتها العربية.
تعاملنا الواعي مع اللغة هو النبراس الذي يضيء لنا الطريق للمستقبل القريب والبعيد، وذلك عبر بلورة رواية فلسطينية-لغوية، تنطلق من السياق المحلي أولاً، تأكيدًا على وجودنا كعرب في هذه البلاد، وهذا يتضمن تأكيد الحقوق الاجتماعية والوطنية والثقافية، مع إحساسنا الصادق وعملنا الدؤوب على الانتماء إلى أمتنا العربية وحضارتنا الإسلامية.
واسمحوا لي أن أوجز أهم ما أنجزنا باختصار شديد، فقد أصدرنا كراستين تفصل عملنا على مدى سنتين، والكراسة الثانية بين أيديكم.
في مجال النشر:
مساهمة منا في نشر الثقافة الفلسطينية، وخاصة الأدب المحلي والوقوف على الحركة الأدبية في هذه الديار أصدرنا كتاب الدكتور سيف الدين أبو صالح، الحركة الأدبية العربية في إسرائيل، وهي دراسة تسعى إلى تكوين نظرة شاملة حول ماهية ما نشرته جريدة الاتحاد بين السنوات 1948-2000، من أدب محلي وأدب عربي وأدب مترجم، وتحديد أبعاد الوجهة الأدبية التي سارت الاتحاد بموجبها ومدى تأثير هذه الحركة الأدبية على الأدب العربي محليًا وعربيًا.
ويأتي كتاب الدكتورة رقية زيدان أثر الفكر اليساريّ في الشعر الفلسطيني: شعر محمود درويش، سميح القاسم وتوفيق زياد، ليصب في نفس الاتجاه. وقد صدر الكتاب عن دار الهدى في كفر قرع، وبدعم من مجمع اللغة العربية.
ويسرنا في مجمع اللغة أن نزف إليكم صدور العدد الأول من المجلة، مجلة مجمع اللغة العربية، وهي مجلة محكمة متخصصة. ويحوي العدد الأول من المجلة تسعة مقالات لباحثين في اللغة والأدب في مواضيع مختلفة. الكمال لله وحده، ولكننا لا نرضى بعمل شبه علمي، وسيلاحظ الجمهور الكريم ما بذل فيها من جهد واضح. أشكر جميع من شارك في التحرير والكتابة للمجلة، كما أشكر أعضاء الهيئة الاستشارية الذين تكرموا بموافقتهم للانضمام إلينا. وبهذه المناسبة أشكر البروفسور سليمان جبران على مراجعته للمقالات، الأستاذ محمود مصطفى، مدير التحرير، على ما بذل من جهد جبار في سبيل إخراج المجلة بحلة مناسبة. كما أشكر أمينة حسن مديرة المكتب على مراجعة المسودات وتنظيم البيبليوغرافيا وغير ذلك.
إن مجمع اللغة العربية كسلطة رسمية يعمل في مناطق الخطر وعلى خطوط التماسّ، بحيث يهتم باللغة كوسيلة للتدريس وكوسيلة للتخاطب وكجزء هام من المشهد الثقافي العام. ولكي تكون هذه اللغة ملكًا لقطاعات واسعة يجب العمل على تيسيرها؛ لا يمكن أن نبقى، ولن نكون ممثلين للفكر السلفي-الأصولي الذي ينطلق من المحافظة على اللغة بحجرها في غرف مقبضة بحجة المحافظة على القرآن والتراث والأدب.
كتاب البروفسور جبران على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة، الذي أصدره المجمع يقع تحت هذه الخانة. أعتقد شخصيًا، ويشاركني الرأي الكثير من المشتغلين في اللغة والأدب بأن هذا الكتاب من أكثر الكتب اللغوية التي صدرت في البلاد جرأة في تعاملها مع اللغة عن وعي ومعرفة. والبروفسور جبران ليس دعيًّا في اللغة بل عرفناه باهتماماته الكلاسيكية إلى جانب اهتماماته بالأدب الحديث.
إن يوميات 2009 و 2010 التي أصدرها المجمع تتضمن معلومات مفيدة وذات دلالة للمثقفين ولعامة الناس. ونحن من خلال هذه اليوميات نحمل رسالة تثقيفية ووطنية. لا نسعى إلى تسويق أنفسنا كمجمع بل إلى تسويق لغتنا وأدبنا وثقافتنا بدءًا بالمستوى الفلسطيني ووصولا إلى المستوى العربي عامة.
هذا إلى جانب إصدار نشرات لغوية يعكف على إصدارها المجمع من خلال لجنة المصطلحات والألفاظ وبمشاركة مختصين في المجالات المختلفة وبالاشتراك مع مؤسسات ذات علاقة.
مشاريع وفعاليات:
حفاظًا على تراثنا وتخليدًا لأدبائنا، بدأنا بتطوير ركن خاص لتخليد إميل حبيبي، وسيعرض في هذا الركن تراث إميل حبيبي، الذي يشمُل ما كتبه الكاتب وما كُتب عنه، إضافة إلى صور ومعروضات تظهر محطات في مسيرته، كما سيضمّ الركن كتبا في اللغة والأدب العربي الحديث ذات صلة بالأديب. والمشروع بدعم من مركز الإرشاد المكتبي.
إن مجمع اللغة العربية كسلطة رسمية يخولها له القانون يرى أن التعامل مع اللغة العربية في المؤسسات العربية في المرحلة الأولى هو جزء هام من المشهد الثقافي الذي نقوم على تقويته وإبرازه. سعينا إلى إقامة مئات الفعاليات في المدارس والمؤسسات الثقافية، كإقامة دورات في اللغة أو مسابقات لغوية وأدبية، أو استضافة أدباء وشعراء ومحاضرين أمام آلاف من الطلاب والآباء والأمهات والمعلمين وطلبة الجامعات وقطاعات أخرى مختلفة. هذا العمل الذي قمنا به على مدى عام ونيف استنفد ميزانيات كبيرة. سنعود إلى هذه النشاطات التي توقفت حين تتوفر الميزانيات.
نظمنا بالاشتراك مع عدة أجسام مشروع "في دروب الأندلس" للقاء الثقافات والديانات الثلاث من خلال العودة إلى التراث الأندلسي: الأدب والشعر والفلسفة والفن وغير ذلك من الأنشطة الثقافية. وكان تتويج هذا اللقاء بعثة ضمت مجموعة من الطلاب والأساتذة العرب واليهود لزيارة أسبانيا والتعرف على معالم الأندلس في السنة الماضية. هذه السنة سنرسل بعثتين لأسبانيا بالاشتراك مع كلية لفينسكي وبدعم من وزارة المعارف وبيت أسبانيا إسرائيل. البعثة الأولى ستخرج في الأيام القريبة.
أمام حضراتكم تقرير بالأيام الدراسية والمؤتمرات والندوات التي أقمناها في اللغة والأدب والثقافة. نذكر بشكل خاص ندوة أقمناها بالاشتراك مع جامعة أوساكا اليابانية في السنة الأخيرة. وهي بداية لتعاون نأمل أن يستمر في المستقبل. ما زلنا في تشكيل رؤية متكاملة للأيام الدراسية والمؤتمرات. وينقصنا حتى الآن تصور عام مدروس لما يحتاجه الحقل من ندوات وأيام دراسية، بحيث لا نستقبل ما يفرض علينا بل نبادر إلى طرح ما يحتاجه الحقلان العلمي والجماهيري من حاجات ثقافية دالّة.
كما يقوم المجمع بنقاش تصور لمشروع اللغة العربية وذلك بمشاركة ثلاثة أجسام أخرى: لجنة المتابعة، ومركز دراسات ووزارة المعارف. عبر هذا التصور سيكون في وسعنا أن نحدد حاجات المجتمع المحلي وآليات العلاج.
أبحاث ومنح:
دعمنا أكثر من عشرة أبحاث في مجال اللغة وقدمنا أكثر من سبعين منحة لطلاب الجامعات بما قيمته مليون شيكل خلال سنتين. المجمع يتابع هذه الأبحاث من خلال الجامعات والكليات ومراكز الأبحاث ويقوم بنشر نتائج هذه الأبحاث للجمهور. وفي هذه الأيام نقوم على تكوين طواقم عمل للبدء في مشروع جديد لتأليف قاموس للغة المعاصرة، وذلك للحاجة الماسة إلى قاموس من هذا النوع.
لم تكن هذه المشاريع لتكتمل وتخرج إلى النور لولا العمل الدؤوب لأعضاء المجمع وموظفيه وأصدقائه.
شكرًا لأعضاء المجمع
شكرًا للموظفين واحدًا واحدًا:
محمود مصطفى، المدير العام للمجمع
الدكتور فؤاد كنعاني، المركز العلمي
لمديرة المكتب أمينة حسن
لأمينة المكتبة ريمة دولي فضلي
دعاء سمحات المنسقة الإعلامية
ومروة عساف المساعدة لأمينة المكتبة
للطاقم الاستشاري: المستشار القضائي الدكتور رياض عمر، ومدقق الحسابات رامي زيدان والمراقب الداخلي رمزي ناصر.
ولكل أولئك الذين بدأوا معنا وهم ليسوا بيننا لسبب أو لآخر، لجميعهم قسط في البناء، أما الأخطاء فنحن نتحملها أعضاء وإدارة ورئيسًا.
وأخيرًا، نحن نعمل في منطقة الخطر، وسنبقى نعمل لرفعة لغتنا وحضارتنا وهويتنا المتميزة التي نعتز بها. وصدق أدونيس إذ قال في الكتاب الخطاب الحجاب: "كل فقر في اللغة إنما هو فقر في الوجود وفي المعرفة، وفقر في العقل" (ص 178).